السفسطة مصطلح كثيرا ما نسمعه ولا نعرف معناه، ويظن البعض أن السفسطة تحمل معني ضمنيا بالجدال في أشياء ساغ فيها الخلاف وتعددت فيها التصورات كنتيجة طبيعية لتعدد التعريف ،والذي لم يقف علي أصل نشأة المصطلح وتاريخه سيفسره حيث شاء وسيرتكز علي أدله تشبه أدلته ورؤية تشبه رؤيته، فهناك من يفسره بالإستدلال الظاهر الصحيح المعتل في حقيقته، وهؤلاء لم يقفوا علي تحرير الحقيقة قبل الإيمان بصحتها ، فهم يثبتون ظاهرا صحيحا ولكن العلة في حُكمهم باعتلال الحقيقة، و الأصل أن السوفسطائي يُنكر حقائق الأشياء عبر إنكار المسلمات ووجودها الخارجي وبالتالي أصبح الظاهر مغلوطا فلا مجال هنا لصحة الحقيقة...
هؤلاء وبما قالوه أنكروا الخلاف وذهبوا إلي غاية المحاور بالإلتفاف والتمويه،ولو أنهم حرروا الخلاف بجزئياته وحرصوا علي فهم الكلمات والمصطلحات لوقفوا علي حوار ينقصه الكثير من التدقيق ..
وهناك من يفسره بالنتيجة الغير مقبولة عبر قواعد استنتاج مغلوطة وأنا أميل إلي هذا التعريف لكونه أكثر دقة من سابقه لكونه يُحرر الحقيقة في تعيينه لقواعد الإستنتاج الصحيح وبالتالي القياس الصحيح...أيضا أري أن كثيرا من الباحثين عن الحقيقة قد يلجأون إلي السفسطة بطريقة لا إرادية وقد يكون لقلة العلم وقصور الفهم دورا في السفسطة في هذه الحالة، بينما السوفسطائي يلجأ في غالب الأحيان إلي تعمد التمويه لإجبار الآخر علي المراجعة والتدقيق وبالتالي يخرج من حيز النزاع إلي نزاع آخر فيكتشف الآخر أن منهجه أصبح متناقضا بيد أنه أُجبر علي الخروج من محل النزاع وما تفرع عنه إلي نزاع آخر وبالتالي يفوز السوفسطائي بالحقيقة المتوهمة..
بعيدا عن سرد تاريخ السفسطة والذي أصبح البحث عنه متاحا للجميع أري أن تاريخ السسفطة يحكي صراعا ناعما بينهم وبين الفلاسفة، ولكن بظهور علم المنطق أو علم التفكير الصحيح تمت محاصرة السفسطة في دائرة الجدال المذموم الخالي من قواعد الإستنتاج والتفكير الصحيح وبالتالي أصبح من السهل تمييز السفسطة عن غيرها ولكن بشرط استخدام علم التفكير الصحيح أو المنطق ، أيضا كان أكبر مكاسب حصار السفسطة هو عودة اليقين ليحل محل الشك في فلسفة الإنسان بشكل عام.
السفسطة كمذهب عقلي أثار زوابع من الشك والإنكار فتجد منهم من ينكر وجوده وإذا حدثته بوجوده بدليل كلامه يُنكر أيضا كلامه ويتوهم كلماته، وهذه الطائفة من السوفسطائين كان لسقراط مع أحدهم موقفا إذ سأله سقراط عن مكان بيته فأشار ناحية اليمين هنا قال له سقراط ها أنت أنكرت عليك مذهبك..لأن إشارتك دليل وجودك ولو لم تكن موجودا لم تكن لتتحرك بناءا علي أمري لك..هذا النوع من التفكير هو جُنون محض وقد استمعت لهذه القصة الموجزة في شريط الدكتور عدنان ابراهيم عن نشأة الفسلفة فذكرها الدكتور وكأنه يشير إلي نوع من جنون الإنسان ولكنه مع ذلك أقر بأن السوفسطائيون في أغلبهم أذكياء وقد يكونوا أذكي من محاوريهم بيد أنهم قد يموهون علي الحقيقية بتصرف ذكي يُخضع الآخر تحت إمرتهم فتتيه الحقيقة بفِعلهم..
الحل في مواجهة السفسطة هو التعيين أولا فليس كل من حكم علي الآخر بالسفسطة أصبح الآخر سوفسطائيا ، بل قد يكون الحاكم في هذا الوقت هو السوفسطائي لو كان عقله قاصرا وبقصور عقله وفهمه وضحالة علمه يري الحقيقة منقوصة فيظن أنه علي الحق والآخر علي باطل..أو أن يكون ممارسا للسفطسة دون أن يدري ولكن بتعصبه لرأيه وعدم إنكاره لذاته يكسر المعقول فيُنكر مسلما به أو أن يُناقض نفسه، لذلك وجب علي المحاور قبل أن يدخل حوارا علميا في أي مجال سواءا كان سياسيا أو فقهيا أو عقديا أو فلسفيا أن يكون ملما بقواعد الفكر الصحيح في جميع تلك المجالات كي يستطيع مجابهة الآخر وتعيين اتفاقه معه قبل الخلاف...وهنا أشير إلي أن من صفات العالم الباحث عن الحق هو تعيين الإتفاق قبل الخلاف..عن نفسي أمارس ذلك قدر الإستطاعة لما وجدته من أن إثبات الخلاف والحوار الحصري بشأنه قد يفضي إلي جدال..فالآخر لديه مجهول ولا يري بفكرة الناقص مرتكزات قد تجعل الآخر إنسانا باحثا عن الحق..