دموعٌ تنهال على الوجنات كالمطر ، لكن الفرق شاسع بين برودة مياه المطر وحرارة دموعهم وزفراتهم التي خرجت كأنها براكين تغلي .
الأعمام والأخوال والأقارب تجمعوا ومشاعر الغضب تسيطر على كياناتهم أجمعين رغم حالة التسليم بالقضاء والقدر ،إلا أن إحساساً عالياً يشعرهم بالإهمال الذي أدى إلى مقتل طفلهم المدلل الحبيب في حادثة أقل ما يقال عنها أنها مرعبة وقاسية .
كانوا في عرس لأحد أقاربهم تعلو وجوههم الابتسامة ، وترتسم معالم الفرح على محيا الجميع قبل أن يخرج الأب "ي،ن" من الصالة بعد المغرب مغادراً ليزور أحد أصدقائه منتقلاً من المحافظة الوسطى إلى مدينة رفح جنوب القطاع .
جلسوا تسامروا لينطلق صوت الأذان الذي لم يتعود "ي، ن" سماعه إلا وقام مهرولاً للصلاة جماعة في المسجد ، "ودّعني وخرج " هكذا قال صديق "ي، ن" ، خرج نحو المسجد ومعه طفله المدلل "عبد الله" صاحب السنوات الأربع من العمر.
صلى الأب وإلى جواره ولده "عبد الله" وخرجا من المسجد حيث كانت الفاجعة المرة والحادثة الأليمة القاسية ، التي زرعت في نفوس كل من اطلع عليها جرحاً عميقاً لا يمكن تجاوزه بسهولة .
أراد "ي،ن" تجاوز الشارع فقد كانت السيارة على بعد مناسب يمكنه من قطع الشارع كما اعتقد بأمان غير أن السيارة التي يقودها سائقها بسرعة جنونية ارتطمت بالطفل ووالده فارتفع جسد الطفل الغض من فوق السيارة لتتلقفه الأرض مفارقاً الحياة على الفور ، فيما أصيب والده بإصابات بعضها طفيف وأخرى وصفت بالمتوسطة .
يرقد الوالد في مستشفى غزة الأوروبي في حالة أشبه ما تكون بالغيبوبة فهو بعد رغم تخطيه مرحلة الخطر إلا أنه لا يعي بشكلٍ كامل ما حدث ، سأل عن طفله فقالوا له " عبد الله بخير وموجود في المنزل " ، بنظراته وكأنه لا يصدق ما يقولون .
غُسل الطفل وكُفن وجُهز للصلاة عليه في اليوم التالي للحادثة ، "دعوا أمه تودعه" قال المشيعون ، دخل الجثمان المسجى لطفلها المدلل " أخذت تناجيه وتحدثه كأنه حي ، تقبله مرات كثيرة كما تعودت كل يوم ، كان يرد عليها، غير أنه اليوم صامت .
"عبد الله معروف بجرأته وشجاعته رغم صغر سنه ، يحدّث الكبار بكل سهولة وكأنه ابن سنوات عشر" تقول جدته .
وتضيف :" كلمني صباح يوم الحادثة على الهاتف، فسألته هل ذهبت إلى الروضة فقال لي :لا ، عبد الرحمن " أخوه الأكبر" ذهب للروضة وأنا سأذهب السنة الجاية"المقبلة".
انخرط الجميع بالبكاء حزناً وكمداً وذهب الجثمان ليوارى الثرى على أمل أن تكون الروح في الجنة تنتظر الشفاعة للوالدين ، هكذا يأمل الجميع ..
هذه الحكاية ليست من نسج الخيال بل هي حقيقة وقعت في قطاع غزة منذ يومين في مسلسل من الحوادث اليومية التي يشهدها القطاع نتيجة حالة أسماها كثيرون "بالتراخي في التعامل مع المخالفين على الرغم من إطلاق حملة ضبط الحالة المرورية ".
فالعزاء تحول لحلقة نقاش دائم حول وضع مركبات السير في قطاع غزة منتقدين أداء الحملة المرورية التي لم تقلل حسب كلامهم المركبات غير الصالحة للسير .
" السائقون مهملون وسياراتهم تفتقد للحد الأدنى للسلامة ، فلا غمازات ولا كشافات إضاءة سليمة " هكذا قال صاحب سيارة خاصة .
مضيفاً :" التهاون مع السائقين بداعي لقمة العيش يقابله قتل المزيد من الأبرياء في حوادث نتيجة الإهمال وعدم وجود رادع للمخالفين سواء في أوراقهم الرسمية أو في سياراتهم غير المؤهلة للسير على الطرقات ".
السائق الآن مسجون لدى الشرطة ومن المتوقع أن يخرج بورقة صلح تجلبها لجان الإصلاح لعائلته دون أن يرتدع أو يتعلم والسؤال المطروح ما الحل وإلى متى سنبقى نودع أبناءنا على عتبات الطريق ؟!
المصدر: خاص فلسطين الآن