يقول عدي بن حاتم الطائي دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد ، فسلمت عليه ، قال : من الرجل ؟ قلت : عدي بن حاتم ، فقام إلي ، وأخذ بيدي ، وانطلق بي إلى بيته ، فوالله إنه لماضٍ بي إلى البيت إذ لقيَتْه امرأة ضعيفة كبيرة ، ومعها صبي صغير ، فاستوقفته ، وجعلت تكلمه في حاجة لها ، فظل معها حتى قضى حاجتها ، وأنا واقف ، وكانت أخته قد خاطبته : يا نبي ، ولم تقل : يا ملِك ، فقلت في نفسي : والله ما هذا بملِك ، ثم أخذ بيدي حتى أتينا منزله ، منزل من ؟ منزل النبي عليه الصلاة والسلام ، وأن تأخذه إلى بيتك فهذا منتهى الإكرام
وفي البيت تناول وسادة من أدم محشوة ليفاً ، فألقاها إليَّ ، وقال : اجلس على هذه ، فاستحييت منه ، وقلت : بل أنت تجلس عليها ، قال: بل أنت ، فجلستُ عليها ، وجلس رسول الله على الأرض ، إذْ لم يكن في بيته سواها ، سوى وسادة واحدة من أدم محشوة ليفًا ، فقلت في نفسي : والله ما هذا بأمر ملك ، ثم التفتَ إليَّ وقال : إيه يا عدي بن حاتم ، ألم تكن ركوسياً تدين بدين بين النصرانية والصابئة ؟! قلت بلى ؛ قال : ألم تكن تسير في قومك بالمرباع ، تأخذ ربع أموالهم ، فتأخذ منهم ما لا يحل لك في دينك ، فقلت: بلى ، وعرفت عندئذٍ أنه نبي مرسل ، يعلم ما نجهل ، ثم قال لي لعلك يا عدي إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من حاجة المسلمين وفقرهم ، فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم ، حتى لا يوجد من يأخذه، ولعله يا عدي إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من قلة المسلمين وكثرة عدوهم ، فأينما ذهبتم فأعداء المسلمون شرسون .
فوالله لتوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف إلا الله ، ولعله يا عدي إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين أنك ترى أن المُلْك والسلطان في غيرهم ، فهم ضعاف ، والقوة بيد أعدائهم ، وايمُ الله لتوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم ، وإن كنوز كسرى قد صارت إليهم ، فقلت : كنوز كسرى، قلت : كنوز كسرى ؟! قال : نعم كنوز كسرى ، قال عدي : عندئذ شهدت شهادة الحق ، وأسلمت .
عمِّرَ عدي طويلاً ، وكان يقول : لقد تحققت اثنتان ، وبقيت الثالثة ، وإنها والله لا بد كائنة ، فقد رأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف شيئاً ، حتى تبلغ البيت ، وكنتُ في أول خيل أغارت على كنوز كسرى ، هو نفسه وأخذتها ، وأحلف بالله لتجيئَن الثالثة ، ولقد شاء الله أن يحقق قول نبيه عليه الصلاة والسلام ، فجاءت الثالثة في عهد الخليفة الزاهد العابد عمر بن عبد العزيز ، حيث فاضت الأموال على المسلمين حتى جعل مناديه ينادي : من يأخذ أموال الزكاة ، من فقراء المسلمين ، فلا يجد أحداً ، سيدنا عمر بن عبد العزيز لا يجد فقيرًا يعطيه الزكاة ، وصدق النبي عليه الصلاة والسلام ، وبرّ عدي بن حاتم بقسمه